هلال الشعيلي يستذكر تفاصيل رمضان في عبري
قضى رمضان في السلطنة والكويت ولم يجد فرقا -
عبري - سعد الشندودي -
إن الحديث مع كبار السن حديث ذو شجون ويختزل تاريخًا شفويًا رائعًا يحكي عن بصمة الزمان والمكان خلال حقبة زمنية معينة امتازت بطابع الحياة البسيطة والتعاون والتآلف بين بني البشر رغم شظف الحياة وصعوبتها وقسوتها مقارنة بالعصر الحالي.
وقد كان لروضة الصائم حوار مع هلال بن حمد الشعيلي أحد كبار السن بولاية عبري، وذلك لمعرفة طبيعة وحياة الناس خلال شهر رمضان في السابق ومقارنتها في العصر الحالي وكيف يقضون أيام رمضان المبارك ولياليه وكيفية معرفتهم وتحريهم لرؤية هلال رمضان المبارك سابقًا بالإضافة إلى معرفة نوع الأعمال التي يمارسها الأهالي في السابق وقضائهم لأيام وليالي شهر رمضان خارج السلطنة خلال الفترات السابقة والفرق بين عادات وتقاليد رمضان بالسلطنة ومقارنتها ببعض الدول العربية.
فيحدثنا في البداية الوالد هلال الشعيلي فيقول: روحانيات شهر رمضان لم تتغير، فرمضان بالنسبة لمنتظري الشهر لم يتغير. ولم يكن الناس فيما مضى من الزمن يتزاحمون في الأسواق لشراء حاجيات الشهر كما هو حاصل حاليًا، وفي السابق كان الأهالي يكبرون ويهللون ويحمدون ويشكرون الله تعالى على قرب موعد شهر رمضان المبارك ويشترون بعض الحاجيات الضرورية من الأسواق الشعبية، وذلك كسوق عبري القديم بالإضافة إلى ذلك فإن الأهالي كانوا يهنئون بعضهم بعضًا بحلول شهر الرحمة والمغفرة.
ويتابع قائلًا: إن أكلات شهر رمضان في السابق كانت محدودة وتتمثل في الهريس والدنجو، واللحم المحلي بالإضافة إلى التمر والقهوة واللبن. كانت هذه وجبات رئيسية عند الإفطار.
وعن عادات وتقاليد الناس في السابق يقول: كان الأهالي بولاية عبري في السابق بعد الإفطار يذهبون لأداء صلاة المغرب جماعة في المساجد وبعد صلاة المغرب يذهبون مع الجيران لتناول القهوة، وتتم زيارة كل بيت في الحارة التي نسكن بها وإذا كانت البيوت كثيرة مثلًا تزار بعد المغرب خمسة بيوت، وبعد صلاة التراويح تتم زيارة بقية البيوت، وتُقدم بعض الوجبات كالهريس والدنجو والرخال والعوال وقد كان العوال سابقًا رخيصًا.
ويتابع قائلًا: بعد زيارة الجيران في الحارة الواحدة وبعد صلاة التراويح كان الأهالي يحرصون كل الحرص على زيارة أهلهم وأقاربهم رغم عدم وجود كهرباء وكانت وسيلة الإضاءة لديهم تتمثل في «سراج أبو سحه»، والفنر، والتريك وقد كان التريك يباع في الأسواق.
ويضيف قائلًا: هذا العام والعام الماضي افتقدنا صلاة التراويح وتجمع الأهل والجيران؛ وذلك بسبب جائحة كورونا التي أثرت في نمط الحياة وأصبحنا نؤدي بعض الصلوات في البيوت وكذلك نؤدي صلاة التراويح مع الأولاد في البيوت.
وجبة الهريس
وأضاف الوالد هلال الشعيلي: كانت تعد وجبة الهريس في عبري في أماكن عامة وكان يوجد بعبري موقعان لعمل الهريس، حيث يعد في خرس كبير وعندما يتم الانتهاء من عمله يقوم صاحب الهريس بالنفخ عن طريق البرغام، وهي عبارة عن قوقعة كبيرة ينفخ فيها تقريبًا بعد صلاة العصر وعندما يسمع الأهالي صوت البرغام يذهبون مباشرة لشراء الهريس وكل شخص يحمل معه إناء نحاسيًا أو معدنيًا لشراء الهريس وبعضهم يتم إعطاؤه في ورق البيذام وكان سعر الهريس زهيدًا لا يتعدى بيسة أو بيستين.
وعن كيفية رؤية هلال رمضان في السابق يقول: كان الأهالي يعرفون هلال رمضان عن طريق الرؤية بالعين المجردة وفي يوم 29 من شهر شعبان، يصعد مخصصون قبل آذان صلاة المغرب بوقت كافٍ فوق سطح حصن عبري الذي يقع بالقرب من سوق عبري القديم بوسط مدينة عبري، وعندما يرون هلال رمضان يطلقون من فوهات بنادقهم العديد من الطلقات وحينها يعرف الأهالي أن هلال رمضان تمت رؤيته، وكذلك يقوم حرس الوالي بإطلاق صوت المدفع الذي كان يقع بمكان يسمى قلة البوش، الذي يقع حاليًا بالقرب من دوار سوق عبري القديم.
العمل بمبالغ زهيدة
ويضيف قائلًا: إن شهر رمضان كان في السابق حلوًا ومرًا، حلوًا ورائعًا بسبب تآلف وتعاون وتراحم الناس، ومرًا بسبب قلة دخل الناس وعدم توفر كل الأشياء التي يحتاجها الناس خلال شهر رمضان المبارك، وإذا توفرت كانت لا توجد لديهم المبالغ الكافية للشراء.
ويتابع: إن الأهالي بولاية عبري كانوا يعملون في بعض الأعمال كالزراعة وفي بناء البيوت لبعضهم بعض، وكانوا يعملون بمبالغ زهيدة وكان الصانع يأخذ قرشًا ونصف القرش في اليوم بينما العمال كانوا يأخذون قرشًا واحدًا في اليوم.
قضاء رمضان بالكويت
وعن قضائه لرمضان خارج السلطنة يقول: لقد سبق لي وأن قضيت أيام وليالي شهر رمضان المبارك في دولة الكويت الشقيقة خلال عام 1962م وذلك عندما سافرت للعمل وكان الكثير من العمانيين يعملون بدولة الكويت وكانوا خلال شهر رمضان يتجمعون مع على وجبة الإفطار.
ويضيف: إن عادات وتقاليد الناس خلال شهر رمضان بدولة الكويت لا تختلف كثيرًا عن عادات وتقاليد الأهالي بالسلطنة وتوجد لديهم وجبات الهريس والثريد والساقو ولكن لا يوجد لديهم السمك المجفف «العوال»، وكذلك من العادات التي توجد بالكويت خلال شهر رمضان أنهم يقومون بإعطاء الجيران الوجبات قبل الإفطار وذلك لنيل رضا الله تعالى.
ويضيف قائلًا: عملت بالكويت في مكتبة كان يمتلكها أحد العمانيين ويسمى ناصر بن سيف البطاشي وكنت آخذ شهريًا 18 دينارًا كويتيًا، وكنت متخوفا من عملي في المكتبة لأنني لا أجيد كثيرًا القراءة والكتابة بما يليق للعمل في مكتبة، ولكن صاحب المكتبة طمأنني وقال: إن المكتبة سوف تعلمني الكثير والكثير.
وكنت في المكتبة أبيع مختلف الصحف والمجلات التي كانت تصدر خلال فترة الستينيات بالإضافة إلى بيع المصاحف ومختلف الأدوات المدرسية والعديد من الكتب، وبعد ذلك قال لي صاحب المكتبة: إنه يريد بيعها، واقترح عليّ شراءها، وفعلًا اشتريتها بمبلع 250 دينارًا كويتيًا، وأخذت بعض المبالغ قرضًا من الإخوة العمانيين العاملين في الكويت في ذلك الوقت.
